تمكين مستقبل مصر: تعزيز الثقافة الاقتصادية باستخدام الذكاء الاصطناعي
2025-04-07
2025-04-07
بقلم بسمة بلابل
استجابةً للتحديات الاقتصادية المستمرة في مصر، مثل التضخم المتزايد و انخفاض قيمة الجنيه المصري، نفذ البنك المركزي المصري سياسة تعويم الجنيه ثلاث مرات خلال السنوات الثمانية الماضية، في ٢٠١٦ و ٢٠٢٢ و٢٠٢٤ [1]. في كل مرة، واجه معظم الناس صعوبة في التكيف مع تداعيات هذه السياسة، وغالباً ما فشلوا في فهم دوافعها وآثارها. وقد تساءل كثيرون عن سبب ضرورة اتخاذ مثل هذه الإجراءات، وما الذي يعنيه تعويم العملة، ولماذا يستمر ارتفاع أسعار السلع في وقت يسعى فيه البنك المركزي لخفض التضخم.
على الرغم من صحة هذه الأسئلة والمخاوف، فإنها تمثل مشكلة أكبر تتعلق بضعف الثقافة الاقتصادية للكثير في مصر. ما يزيد من تفاقم المشكلة هو عدم وجود بيانات كافية حول معدلات الثقافة الاقتصادية في مصر، مما يجعل التصدي للمشكلة ومعالجتها من جذورها أمرًا في غاية الصعوبة.
يعود ضعف الثقافة الاقتصادية في مصر جزئياً إلى غياب مادة الاقتصاد من المناهج التعليمية في النظام المدرسي الحكومي. وفقًا لوزير التربية والتعليم، لا تُدرس مادة الاقتصاد في مناهج الثانوية العامة بالنظام المصري [2]. فقط النظام المتبع في المدارس الدولية مثل IGCSE يتضمن خيار دراسة الاقتصاد ضمن مناهجه الدراسية [3]. نتيجة لذلك، يتخرج الطلاب من المدارس الحكومية وهم يفتقرون إلى المعرفة الكافية في مجال الاقتصاد، مما يجعل الثقافة الاقتصادية امتيازًا يقتصر بشكل رئيسي على من يستطيعون تحمل تكاليف التعليم الدولي.
مع تغيرات الاقتصاد المصري المستمرة، يظهر اهتمام متزايد لدى العديد من المصريين لفهم المزيد عن علم الاقتصاد لتمكينهم من فهم ديناميكيات السوق المصري والمشاركة في الخطاب الاقتصادي القائم. ومع ذلك، فإن عدم وجود موارد للتعلم بشكل يسير يعد تحديًا مستمرًا عندما يتعلق الأمر بدراسة الاقتصاد. من هنا يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة بسيطة ومتاحة لدراسة الاقتصاد، ولكن الأمر ليس خاليًا من التحديات والقيود.
بينما لا يزال تطوير ونشر أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مراحله الأولى، فإن أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "جايس" و"تشات جي بي تي" تتمتع بقدرة هائلة على تعزيز الثقافة الاقتصادية [4]. تتمتع تلك الأدوات بالقدرة على تقديم معلومات موجزة بصيغة سهلة الفهم تقلل من الحاجة إلى تصفح المقالات أو الكتب على محركات البحث مثل جوجل. تمتلك أدوات الذكاء الاصطناعي أيضاً ميزة كبيرة في تبسيط المفاهيم، مما يتيح لها دورًا كبيرًا في تبسيط بعض المصطلحات والنماذج الرياضية المعقدة المتعلقة بالاقتصاد من خلال إنشاء محتوى بلغة أبسط، وتقديم أمثلة توضيحية، وتوفير مساعدات بصرية تساعد على فهم الأفكار المعقدة. فمثلاً، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم شروحات يسيرة لفهم مفاهيم مثل الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، أو أسعار الفائدة، أو دور البنوك المركزية في مكافحة التضخم. على سبيل المثال، يمكن للمستخدم استخدام أي من الأدوات المذكورة أعلاه وسؤالها عن معنى "خفض قيمة العملة"، وسيتلقى إجابة مفصلة على الفور.
ما يجعل هذه الأدوات فريدة أيضًا هو قدرتها على إجراء محادثة تفاعلية مع المستخدم. على سبيل المثال، إذا سأل شخص عن مفهوم معين واحتاج إلى مزيد من المعلومات، يمكنه متابعة المحادثة وطرح مزيد من الأسئلة حتى يفهم تمامًا ما يريد فهمه. لم يكن الأمر كذلك قبل وجود أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث كان العثور على المعلومات حول أي موضوع يتطلب عملية بحث طويلة وشاقة تتطلب تصفح عدة مواقع. علاوة على ذلك، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أيضًا مساعدة الدارسين من مصادر ومواقع أكاديمية على الإنترنت بالإجابة على أي أسئلة قد تكون لديهم، حيث أن هذه الدورات غالبًا ما تفتقر إلى وجود مدرس مخصص للإجابة على استفسارات الطلاب.
في دولة مثل مصر، حيث يفتقر العديد من الناس إلى المعرفة الشاملة بعلم الاقتصاد، يمكن أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي التي تبسط المواضيع المعقدة مصدرًا مفيدًا. حيث يمكن لهذه الأدوات جعل تعليم الاقتصاد أكثر شمولاً من خلال كسر الحواجز أمام الفهم، مما يعزز قدرة الأفراد على متابعة الخطاب الاقتصادي في مصر.
على الرغم من أن للذكاء الاصطناعي إمكانيات كبيرة في المساهمة في محاربة الأمية الاقتصادية، فإن الفجوة الرقمية المنتشرة في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعني أن الذكاء الاصطناعي سيكون متاحًا فقط لأولئك الذين يمتلكون القدرة على القراءة والكتابة ولديهم معرفة رقمية.
نظرًا لأن أدوات الذكاء الاصطناعي المجانية مرتكزة على النصوص، فإنها تبقى متاحة فقط لأولئك الذين يمكنهم القراءة والكتابة ولديهم اتصال بالإنترنت. وفقًا لأحدث الإحصائيات حول معدلات الأمية التي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر في عام ٢٠٢٣، فإن حوالي ١٦.١% من الأشخاص فوق سن العاشرة أميون، مما يعني أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يقتصر على حوالي ٨٣.٩% من السكان [5]. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفجوة الرقمية تزيد المشكلة تعقيدًا. حاليًا، حوالي ٧٢.٢% فقط من السكان في مصر لديهم إنترنت منزلي مستقر، وفقًا للبيانات الأخيرة المنشورة في عام ٢٠٢٣ [6].
تعد أيضًا عدم الدقة والتحيزات في أدوات الذكاء الاصطناعي قضايا مثيرة للقلق. على سبيل المثال، فإن مخرجات "تشات جي بي تي" تتأثر بالبيانات المدرب عليها مسبقاً والتي قد تشمل تحيزات. تعد أيضاً عملية التعديل الدقيقة "Fine-tuning Process" التي تشمل مراجعة بشرية مصدر آخر للتحيز [7]. علاوة على ذلك، وفقًا لاختبار Multi-Task Language Understanding الذي أُجري في ٢٠٢٤، فإن مستوى دقة "تشات جي بي تي" ٨٨.٧%، مما يعني أن هناك مساحة كبيرة لانتشار الأخطاء والمعلومات المغلوطة [8]. لذلك، من الضروري التعامل مع إجابات "تشات جي بي تي" بشكل نقدي والتحقق من أي معلومات من مصادر موثوقة عند الحاجة.
تعزيز الثقافة الاقتصادية في مصر: طريق المستقبل
لقد اتخذت الحكومة المصرية بالفعل العديد من الخطوات لاعتماد التقنيات الرقمية في نظامها التعليمي. على سبيل المثال، في عام ٢٠١٨، وزعت وزارة التربية والتعليم في مصر أجهزة لوحية (Tablets) علي الطلاب في مدارس الثانوية العامة لتسهيل الوصول إلى المواد الدراسية وإجراء الامتحانات [9]. على الرغم من أن هذه المبادرة جيدة وتزود الطلاب بإمكانية الوصول إلى المعرفة رقميًا، إلا أن نقص الوعي بالقضايا الاقتصادية لا يزال منتشرًا في مصر نظراً لأن الاقتصاد غير مدرج ضمن المناهج الدراسية. لذلك، يجب بذل المزيد من الجهود لتوفير منهج دراسي أكثر تحديًا وتنوعًا، بالإضافة إلى تزويد المدارس بالأجهزة الرقمية.
اتخذت الحكومة المصرية خطوة هامة أخرى من خلال إنشاء المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي، وهو عبارة عن شراكة بين الحكومة والمجتمع الأكاديمي والقطاع الخاص. يهدف المجلس بشكل رئيسي إلى استكشاف الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مختلف القطاعات الاقتصادية [10]. يعتبر وجود المجلس فرصة مهمة لتعزيز الثقافة الاقتصادية في مصر، حيث يمكن للأكاديميين في هذا المجال اقتراح إدخال الذكاء الاصطناعي في تعليم الاقتصاد في المدارس عبر تصميم وتقديم المناهج الدراسية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يطرح ذلك تحديات بشأن تطبيق تلك التقنيات بطريقة أخلاقية ومسؤولة، الأمر الذي يتطلب تعاونًا من جميع الأطراف المعنية.
إذا تم دمج الذكاء الاصطناعي في المنهج الدراسي، فمن الضروري ضمان نشره بشكل أخلاقي من خلال نهج متعدد الأطراف. وهذا يعني إشراك الحكومة والمجتمع الأكاديمي وكذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية في تشكيل وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان مراعاة القيم الأخلاقية مثل خصوصية البيانات، والتحيزات الخوارزمية، والاحتمالية لتفاقم التفاوتات.
أصبحت الحاجة إلى نهج متعدد الأطراف لتطبيق ذكاء اصطناعي مسؤول أمرًا متزايد الأهمية عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على سبيل المثال، في٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤، نظم مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للذكاء الاصطناعي المسؤول بالتعاون مع مرصد أفريقيا للذكاء الاصطناعي المسؤول ندوة عبر الإنترنت لمناقشة أهمية النهج التشاركي لتبني الذكاء الاصطناعي الأخلاقي والمسؤول [11]. خلال الندوة، أشار الأستاذ عمرو صفوت، مدير شؤون المنظمات الإفريقية في إدارة العلاقات الدولية بوزارة الاتصالات والمعلومات إلى أن التعاون هو مفتاح تطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي وأن هناك حاجة إلى جهد موحد من جميع القطاعات لتبني أطر الذكاء الاصطناعي المسؤول لدمجه في المنهج الدراسي المصري. قد يشمل ذلك وضع إرشادات واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وتقديم التدريب المهني للمعلمين، وضمان أن الطلاب ليسوا مجرد مستهلكين للأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بل يمكنهم أيضًا التفاعل النقدي مع التقنيات التي ستشكل مستقبلهم.
بشكل عام، يُعد الذكاء الاصطناعي أداة واعدة لتحسين الثقافة الاقتصادية في مصر من خلال توفير أدوات تعليمية تفاعلية وسهلة يمكن أن تساعد في تبسيط المفاهيم الاقتصادية المعقدة. يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي، مثل تشات جي بي تي و جيس، تمكين الأفراد من المشاركة في الخطاب الاقتصادي، حيث تقدم شروحات مخصصة وسهلة الاستخدام تساعد في سد الفجوات المعرفية. رغم ذلك، يواجه تطبيق هذه الأدوات تحديات كبيرة، مثل الأمية العامة والرقمية، والعوائق اللغوية، والفجوات في البنية التحتية، بالإضافة إلى الفجوات في فهم دقة واستجابة الذكاء الاصطناعي. للتغلب على هذه التحديات، يجب على الحكومة المصرية أن تواصل جهودها لدمج التقنيات الرقمية في التعليم وتعزيز مناهج دراسية أكثر شمولية وتنويعًا. من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع المبادرات السياسية، يمكن لمصر تعزيز مجتمع أكثر دراية بالاقتصاد، مما يتيح للمواطنين القدرة على التفاعل والمساهمة في النمو الاقتصادي المستقبلي للبلاد.
مراجع
1. Essam Eldin, Gamal. “Past Devaluation”. Al-Ahram Online. [Online]. March 2024. Available from:https://english.ahram.org.eg/News/519335.aspx#:~:text=January%201977%3A%20Under%20President%20Anwar,the%20Egyptian%20pound%20to%20LE2.
2. Hussien, Mahmoud. “وزارة التعليم توضح المواد الأساسية وغير المضافة للمجموع بالثانوية العامة”. El-Youm El-Sabaa. [Online]. August 2024. Available from: https://bit.ly/3DRY3lK
3. Cambridge International. [Online]. 2024. Available from: https://www.cambridgeinternational.org/programmes-and-qualifications/cambridge-upper-secondary/cambridge-igcse/subjects/
4. Balabel, Basma “Jais: A Breakthrough in Arabic AI”. [Online]. October 2024. Available from: https://menaobservatory.ai/en/blogs/52
5. The Central Agency for Public Mobilization and Statistics (CAMPAS), “Statistical Yearbook”, [Online], 2023, Available from: https://www.capmas.gov.eg/Pages/StaticPages.aspx?page_id=5034
6. Kemp, Simon. “Digital 2023: Egypt”. Data Reportal. February 2023. Available from: https://datareportal.com/reports/digital-2023-egypt#:~:text=Egypt's%20internet%20penetration%20rate%20stood,percent)%20between%202022%20and%202023.
7. Howarth, Josh. “ChatGPT Accuracy Rate (Latest Data)”. [Online]. July 2024. Available from: https://explodingtopics.com/blog/chatgpt-accuracy
8. “Multi-task Language Understanding on MMLU”. META-AI. 2024. Available from: https://paperswithcode.com/sota/multi-task-language-understanding-on-mmlu
9. El-Eraky, Reham “من نظام السنة الواحدة لـ«التحسين» ثم التابلت.. كيف تطورت الثانوية العامة في مصر؟”. El-Masry El-Youm. [Online]. August 2024. Available from: https://www.almasryalyoum.com/news/details/3237635
10. Kamel, Sheri “The Impact of Digital Transformation on Egypt”. Economic Research Forum (ERF). [Online]. September 2021. Available from: https://erf.org.eg/publications/the-potential-impact-of-digital-transformation-on-egypt/
11. El-Mahrakawy, Nur “Webinar Insights: Why We Need a Multi-Stakeholder Approach to Responsible AI” . MENA AI Observatory on Responsible AI. [Online]. November 2024. Available from: https://menaobservatory.ai/en/blogs/58